هل نحن ما بين تخلف التنمية، وإدارة التخلف ؟!!

هل نحن ما بين تخلف التنمية، وإدارة التخلف ؟!!
في الحقيقة ، نعم ، ولكن قبل الإجابة على هذا التساؤل غير الكلاسيكي، علينا أن نعترف أننا لم نبذل جهدا لوقف التخلف التنموي، ولم نضع تصورات تمكننا من الخروج من التخلف لا إدارته ، ومهما حاول الباحث الأردني اليوم فلن يقرأ شيئاً عن مستقبل الأردن ، وإلا لما تجدنا دائما في تيه حتى في ترتيب الأولويات ، لكوننا لم نتفق بعد على الضرورات لتحسين أوضاعنا ، ولا نكاد نطرح مبادرة ترتقي بالوعي العام إلى درجة يفهم من خلالها ما يحدث الآن في الأردن وفي عموم المنطقة في ظل المتغيرات الدولية والأفكار التي ترسم ملامح المستقبل لنا ولباقي الدول العربية ، والمحزن أنه إذا ما تم الاقتناع بما نقول ترتب دعوة من يسمون زوراً وبهتاناً نخب إلى قاعات فاخرة ويناقش فيها أعمالهم ، وهذا يعني أن الناتج تخبط مزمن في الرأي والفعل ، ويقال لك قمنا بعصف ذهني في البحر الميت وعلى شواطئ العقبة ، ما هذا أنتم ترتكبون عملية انتحار جماعي من خلال ما يحدث ، في ظل مستقبل مظلم ، فضلاً عن تهربكم المستمر من مواجهة الحقائق ومعرفة خطورة العبء الملقى عليكم والذي من المفترض أنكم تواجهونه بشجاعة ، لا أن تبحثوا في جيوب المواطنين عن بضعة دنانير ادخرت لشراء دواء أو خبز ، وتسحب عنوة من جيب المسكين بحجة المخالفات وغيرها من الضرائب وغلاء الأسعار ..!!
والطامة الكبرى أن المؤسف لم يعد تخلفنا فحسب وإنما عدم إدراكنا لهذا التخلف ، لا بل ونديره من مكاتب غاية في البذخ وسيارات أخر موديل ، وكرافتات ماركة ، وإشارة باليد التي تحمل ساعة ثمينة جداً ، وخاتم يصرف على عائلات ، وكأننا فاتحين للقسطنطينية ، والنتيجة أننا لا نستطيع أن نتحدث عن الاقتصاد الأردني بين النخب الدولية ، ونحن في عالم غدا فيه الاقتصاد فوق مستوى الدول القطرية وعلى مستوى الشركات المتعددة الجنسيات ، ونحن عاجزين حتى عن وضع إستراتيجية للخروج من التخلف التنموي ، إضافة لذلك أننا مغيبين تماماً عن الإستراتيجيات الكبرى لأمريكا في ظل التحولات للتعدد القطبي ، تلك التي تغري أمريكا لتوثيق علاقات تجارية جديدة مع اليابان والصين والهند ، نتحدث عن دراسات يترتب عليها تراجع أهمية حوض الأطلسي لحساب حوض الباسفيك ، ولما كان البحر المتوسط جزءاً من حوض الأطلسي فسوف تهمش منطقة الشرق الأوسط ومن بينها الدول العربية وتقل أهميتها الدولية ، وللتوضيح أكثر نقول هنالك إحلال لقارة أسيا مكان أوروبا ، فماذا فعلنا بهذا الخصوص وفي خضم هذه التغيرات الخارجية المتتالية والتي أول ما تستهدفنا نحن وتفقدنا وظيفتنا الدولية ، ما يعني أننا لا نتحدث عن إستراتيجيا لانجاز التنمية الشاملة والمتوازنة والتي تهدف لتحقيق الرخاء الاقتصادي وإخراجنا من التخلف التنموي فقط، وإنما عن سبيل ينبغي أن يضعنا في مصاف الدول التي لا يمكن أن تفقد وظيفتها في العالم الجديد ، ولكن كيف ؟! ولا يسمح لنا كإنسانيين باسترجاع ثقة المواطن بالحكومات، ولا التعبئة بـ الديمقراطية، وتنشيط الاستثمار النوعي العام والخاص، والسؤال الكبير على الطاولة الأردنية: لماذا تسمع لنا دول لها وزن في المنطقة ، وتنفذ توصياتنا بالحرف الواحد ، بينما عندنا فإن من يسمون نخب زوراً وبهتاننا أجل وأرفع من النظر إلينا ؟!! سمعنا كثير مقولة لا يكرم نبي في وطنه ، وكانت الإجابة نحن يا سادة لسنا أنبياء ولن نكون ، فعهد النبوة ذهب ولن يعود ،نحن في عصر أصبحت فيه أقوى ضوابط البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية مرهونة بالتجارة الآسيوية الضخمة جداً ، هذه التجارة التي ستغير شكل ومضمون العالم القادم وتجعله متعدد الأقطاب ، أنتم في خضم ذلك أين ؟!! ما هي وظيفتكم ؟! ما هو دوركم ؟!! هذا الشعب، ما هو مصيره ؟!! أين رجالات هذه المرحلة التي دخلنا فيها فعلياً ؟!! هنالك من يفهم ما يحدث وهناك من يحتاج إلى دورات لغايات التفهيم ، لكن هناك من يضع برامج وإستراتيجيات دول ـ أتمنى أن تكون الرسالة واضحة ـ ...!!
ودعوني هنا أقولها كلمة لوجه الله ، والتاريخ ، ولسيدنا عبد الله : هذه النخبة الأرستقراطية المهددة بالسقوط إن لم تكن سقطت فعلاً ، عاجزة عجزاً تاماً عن تقديم مجرد رؤية أولية تحدد ملامح الأردن القادم في خضم التغيرات الإقليمية والدولية ، ولننتبه جيداً وبعمق أننا هنا لا نتحدث عما يعطي الآفاق عبر المتغيرات المتسارعة ، ولا عن كيفية تحريك كوامن الشعب الأردني لإرسال رسائل من شأنها أن تعمل ولو نسبياً على استمرارية الدولة ، ولا عن إبداعات نوعية قادرة على خلق ميكانزمات مؤسسية نوعية متقدمة لإدارة الإستراتيجية الأردنية الجديدة ، ولا عن المدخل السياسي بمعناه العميق القادر على إعادة توظيف الأردن دوليا من ناحية ومعناه السيادي من ناحية ثانية لاستخراج كنوز الأردن من طاقة ونفط ومياه إلخ ، وإنما نتحدث فقط ، وفقط لا غير عن كارثة العجز في تقديم الرؤية ، لكون هذه النخب استعراضية ، استهلاكية ، تقتات على حساب النظام والشعب ، لأنها وببساطة جداً تحمل جنسيات غير أردنية ومستعدة للسفر عند أي طارئ ، بينما نحن والهاشميين من سيواجه ويدفع الأثمان المركبة ، والسؤال لماذا قبل كل هذا لا نضع إستراتيجية تدخل فعلياً في التغير لا التبرير ، وفي الشامل لا المحدود ، والحركي المحلي المجتمعي والدولي لا التكتيكي الآني الذاتي والفردي ، نريد التأسيس وقبل فوات الأوان لما أسميه بـ ( التمكن الوظيفي دولياً ) وهذا يأتي على محورين : الأول العمل على إقناع هذه القوى بضرورة استمرارية الأردن كمصلحة عليا للتعدد القطبي القادم ولهذه الشركات العملاقة ، ولكن كيف والشعب الأردني لا يكاد يتمتع بثرواته الطبيعية ، وحكوماته لا تزال تترنح بين التخلف التنموي وإدارة التخلف ؟! هذه حقائق يا سادة حقائق عملت على إخفاء دول من على خريطة العالم فأين الصومال ـ ليبريا ـ ليبيا حديثاً وما سيتبعها من دول فاشلة ؟!! والثاني : أن نكلف فعلياً ومن قبل أكثر من دول قطبية بأدوار متعددة ومتنوعة وتضمن لنا البقاء خارج العالم الثالث ، سيما وأنهم ينتظرون للعالم الثالث على أنه مخزون للبطالة والفقر ويعتبرون مليار ومائة مليون نسمه لا يستحقون الحياة لكونهم عاجزون عن إنتاج خبزهم ..!!
وإذا كنا في الأردن نمتلك ثروات فنحن لا نعيش في الخيال ولا في الأوهام وإنما نواجه حقائق الواقع لهذا نقول حقيقة غاية في الأهمية وهي أننا في الأردن نمتلك ثروات وغنى بالموارد الطبيعية إلا أنها ليست بالجودة المطلوبة عالمياً ، ما يعني أنها تحتاج إلى جهود حقيقة ومخلصة ودءوبة لترتقي إلى المستوى المنشود عالمياً، إضافة إلى حقيقة ثانية مفادها أن زمن المعونات ولى وإلى الأبد فلا تنتظروا معونات بعد اليوم من أحد ، وفي أحسن الأحوال هم يدعمون الدول وبخاصة الصغيرة منها لكي يزداد فيها الخلاف وتتفاقم المشكلات ، وتشتد الأزمات وتترك بالتالي للاقتتال والتناحر والتلاشي التلقائي ، وعلى صانع القرار أن يلتقط الإشارة التي توحي بأهمية إحياء وترسيخ نهج الإحياء الذاتي والتكامل العربي المشترك ، لتعطونا فرصة على الأقل للتحدث عنكم ، والحقيقة أن هذه الشعوب مرهونة بالتكامل الاقتصادي العربي أو الموت ...!!
أعود وأتساءل: أين دور المؤسسات الأكاديمية، ومراكز البحوث المتخصصة، والمعاهد والجامعات ؟! ولماذا لا نعمل الآن وفوراً وبمجرد قراءة هذه المقالة على وقف كل الانتهاكات للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والاتفاقيات الدولية ، والتي تدين وتجرم مصادرة الأراضي ـ الواجهات العشائرية ـ ، وتجرم التوقيف الإداري غير القانوني من قبل الحكام الإداريين ، والإقامة الجبرية ، ومنع حرية التعبير ، ومنع النشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تحتاج إلى جملة من الموافقات البيروقراطية ، ليبقى الاستثمار في إطار النخب التي سيقتل الوطن بسببها وبسبب جهلها و أنانيتها وضيق أفقها وجشاعتها ، والأردن يتعرض اليوم إلى تعقيدات وتشابكات نخرت في عضده ، ولن يفيده ذلك التنظير العاجي والإسقاط من قبل أناس هم أصلاً يبحثون شرعية سياسية لهم في الأردن ، لكونهم أجانب وباعتراف سفاراتهم ، هؤلاء موظفي سفارات ، فهل نستسلم لهذا التدهور ونترك الأردن بأيدي غرباء ، ونترك التخطيط بلا تخطيط ، أرجوكم يا سادة وزارة التخطيط أصبحت بحاجة إلى تخطيط ...!! ما هذا ؟! كفى ..!! نريد الآن برنامج يمنح كل دفتر عائلة أردنية أرض لا تقل عن عشر دونمات لزراعة إما القمح أو الزيتون ، وبمساعدة وزارتي الزراعة والتخطيط ، ضمن آلية تمنع بيع هذه الأراضي لكونها تعطى لغايات الاستثمار الأسري والمجتمعي فقط ، ومن ثم تقوم أي من الوزارتين بفتح أسواق للمنتج الأردني في الصين أو غيرها من البلدان ، ولكن كيف ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، لأن كل من وزارة الزراعة والتخطيط تفتقد للخبرات النوعية ، وتعمل ضمن إطار حكومات تدير التخلف ولا تحاول أن تخرج منه ، إلى أن تصبح هذه الوزارات في وضع يجعلها تخرج مضطرة عن المسار الذي وجدت من أجله ، صدقوني أستطيع من خلال محافظة معان ومن خلال تربتها الزجاجية ألا أتوقف عند فتح مصانع زجاج بل إنارة المملكة بالطاقة الشمسية والتصدير لمصر أيضاً ، وأستطيع من خلال محافظة عجلون أن أجعل الأردن أكبر منتجع سياحي على المستوى العالمي ، أنتم لا تفكرون في الأردن أنتم تفكرون في أنفسكم فقط ، وبالله عليكم أليس من العيب والكفر الإنساني قبل الرباني أن تدفع نساءكم للصالونات قرابة 1000 دينار شهرياً ، وراتب العسكري على الحدود لا يتجاوز 400 دينار شهرياً ومهدد بالقتل ، ومنذور كمشروع شهادة ، ورب الأسرة في القطاع الحكومي لا يصل راتبه إلى500 دينار ، فقط لنكون واقعيين لا أكثر ، وهنا أنا لا أطرح فكراً بل خطة عمل ، خطة عمل تنقذ الأردن شعباً ونظاماً ، هذه ليست أفكار يا سادة ، وإنما دعوة لصاحب القرار ، دعوة من أجل البقاء والاستمرار ، وأخيراً وليس أخراً أقول : إن من أسوأ أنواع التبعية ، هي تبعية المعرفة ، لأن من يحكم على الجودة من عدمها شخص أخر لا علاقة له بالبلد وهذا ما يغرق وينهي أي بلد ، والأمل بالله كبير أن نخرج قريباً من تخلف التنمية، وإدارة التخلف ..!! خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .
د. رعد مبيضين .

Comments

Popular posts from this blog

Human awareness

المنطقة تحتاج إلى مشروع قائم على الإنسانية والأمن الإنساني...!!

إذا حذفتم الإنسانية الجميلة ، ماذا تضعون بدلاً عنها ؟!!